مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري

وصاب حاضرة العلماء..!!بقلم قحطان شهاب

تُنسبُ وُصاب إلى ساكنها الأول وهو الملك الحميري( وَصابُ بنُ سهلِ بنِ زيدٍ -وهو الجَمَهْوَر- ابنِ عمروِ بنِ قيسِ بنِ معاويةَ بنِ جُشَمِ بنِ عبدِ شمسِ، وفي جُشَمَ العَدَدُ والثّروة، وهي جُشَمُ العظمى من جميع العرب).

ولما كان الوَصابيون أهلَ عددٍ ومدد، وفيهم المالُ والولد، فقد أقاموا مملكةً عظيمة، فعُرِفوا بملوك (عَرْكَبَة)، نسبة إلى حاضرتهم وعاصمة مُلْكِهم، وهي مدينةٌ قديمةٌ عِمارتُها جاهلية، لا تزال بعضُ قصورها شاخصةً حتى اليوم كقصر المُدَوَّرَة.

قال الهمداني: و ( جُبْلان العَرْكَبة بلدٌ واسعٌ، ونَعْمانُ بلدٌ، وساكنُ العَرْكَبة الشُّراحِيون الوَصابيون منهم: آلُ يوسفَ ملوكُ تِهامة، من عهد المعتصم إلى أيام المعتمِد).

فاخَرَ بهم الكَلاعيُ بِلادَ فارس والروم، معتمدا على سابقة مجدهم، وحاضرة مُلْكهم، وطول قصورهم، مشيرا إلى ظاهر بأسهم وشجاعتهم وخطرهم، فقال في قصيدته المُفْحِمَة، التي ردَّ بها على الفضل بن باروحٍ الرومي:

وفي الثُّجَةِ الأنجادُ آلُ مُثَوَّبٍ
وجُبْلانَ ضَرْبٌ في الملاحِم مُبهِرُ

ومُقْرَى وأَلْهانٌ وعِترةُ شَرْعَبٍ
وعَزْوانُ مِنَّا والوَصابونَ أخْطَرُ

في هذه البلاد الزاخرة بالحواضر العلمية والتاريخية، الطافحة بالملوك والعلماء، سَعَت موسوعةُ وَصابٍ التاريخية إلى جمع تراث الجهات الوَصابية وتقديمه للباحثين والمهتمين، وفق رؤية وطنية خالصة، ومنهجية علمية عالية، باعتباره جزءًا أصيلًا من تراث اليمن وتاريخها العريق.

فكان أن وقف الباحثون في الموسوعة على عدد وافر من المخطوطات والرسائل والمنظومات والوثائق والمشجرات، التي صُورت عن المكتبات الأهلية والوطنية والعربية والعالمية.

كما استطاع الباحثون في الموسوعة -لأول مرة- جمع مصنفات العلامة شيخ الإسلام ومفتى الأنام صفي الدين أبي عبد الرحيم أحمدِ بنِ عبدِ الله السَلَمي الحَرْبي الوَصابي، الشهير بالسانَة، نسبة إلى حصن السانة، من مخلاف نَقِذ، وهو أحد الحصون الملوكية القديمة في بلاد وَصاب.

تلقى تعليمه في هجرة شَيْحُون؛ وهي قرية عامرةٌ من عزلة السَّنَّة، ثم هاجر– رحمه الله – من وَصابَ إلى زبيد سنة: سبع وسبعين وألف من الهجرة، وهناك قرأ على جماعة من علمائها.

فترقى في تحصيله حتى أتقن جُل علوم عصره، ثم شرع في وضع عشرات الكتب والرسائل والمنظومات العلمية في الفقه والمواريث والحديث والتفسير، واللغة والعروض والقوافي والمساحة والهندسة والحساب والجبر والمقابلة وغيرها.

تولى وظيفة الإفتاء في زبيد أيام صاحب المواهب محمدِ بنِ الحسن، كما كان الناظرَ على أوقافها، والمدرسَ في جامعها الكبير، وله رباطٌ يعرف باسمه حتى اليوم..

وفي بلدته كان له مسجدٌ ورباط ومدرسة بقيت عامرة بطلبة العلم حتى بضع سنين خلت.

وفي إطار ما تنشُدُهُ موسوعةُ وَصابٍ التاريخية من جمع تراث الجهات الوَصابية -لكل أساطينها وعلمائها، فقد جمع له الباحثون أكثر من ثلاثين عنوانا، من شتى المكتبات العامة والخاصة، وهي المرة الأولى التي تُجمع فيها معظم مؤلفات السانة.

كتابه الإعلان:

يُعد كتاب الإعلان معجزة من حيثُ طريقة تصنيفه، فقد اشتمل على أكثر من أحد عشر علما في سياق كتاب واحد، ليغدو موسوعة بصرية فقهية فكرية أدبية فنية.

هذا الكتاب في أصله مؤلَّف في الفقه الشافعي، تتخلله ترجيعاتٌ لخمسة علوم أُخَر، هي: (العَروض، والنحو، والتصريف، والمنطق، والتجويد)، ثم أضاف المصنفُ إلى تلك الترجيعاتِ تتماتٍ في علوم مختلفة.

وبهذا يصل مجموع العلوم التي تناولها السانة الوَصابي في كتابه الإعلان بترجيعاته وتتماته إلى أكثر من أحد عشر علماً.


إن قراءة هذه العلوم في هذا الكتاب فن قائم بذاته، إذ تقرأ أفقيًا وعموديًا، بحيث تتداخل الكلمات والحروف بالمعاني المختلفة والعلوم المتعددة في كل صفحة.

وهذا يعني أن المؤلف الموسوعي الوَصابي، قد تفوق في كتابه الإعلان على نفسه وزمانه ومكانه، كما بذل فيه من الجُهد والعناية والتأمل ما يمكن أن يُقسَّم إلى عدة مصنفات.

وقد أشار الدكتور خالد الرويشان الذي قدَّم لهذا الكتاب إلى مدى دقة المؤلف وحسن صنعته، التي فاقت كل تصور، لأن الخطأ في كتابة حرف واحد كفيل بتغيير كتابة الصفحة بالكامل..

توفي العلامة صفي الدين أحمدُ بنُ عبد الله السانة، في الثالث من شهر صفر سنة اثنتين وعشرين ومئة وألف للهجرة، وقبره في شرقي جبل السَّنَّة من مخلاف نَقِذ بمديرية وَصابٍ العالي..

فتشبّهوا إن لم تكونوا مثلَهم

أُسْدٌ تخلّفُ بعدها أشبالا

وأنا المحتفي بتاريخِ قومي

من يصنْ مجد قومِهِ صانَ عِرضا

#قحطان_شهاب

#موسوعة_وصاب_التاريخية

المصادر:
صفة جزيرة العرب: (204، 205، 232).
تاريخ وصاب:(108، 115 ،116، 130).
القصيدة المفحمة: (298، 301،302).
معجم البلدان:(5 / 378).
مقدمة الإعلان.
المقصورة الوصابية: (10-20)
فهرس المخطوطات الوصابية(١)